الكورد.. رؤية مستقبلية لدور إيجابي في الشرق الأوسط

سامان بريفكاني:في زمن تتقلب فيه الأوضاع السياسية، وتشتد فيه النزاعات على الموارد والهوية، يصبح دور الشعوب الفاعلة قضية محورية لتحديد مسارات الاستقرار أو الانهيار، إذا استطاعت الأنظمة القوية من تكوين علاقات مع هذه الشعوب الفاعلة، لبناء استقرار مستدام.

سبتمبر 29, 2025 - 19:04
الكورد.. رؤية مستقبلية لدور إيجابي في الشرق الأوسط

الكورد اليوم يقدمون انموذجًا لمن أراد رؤية إمكانية التعايش والتنمية في منطقة تمزقها النزاعات والمشكلات السياسية والطائفية والدينية الكبيرة. الإنجازات في البُنى التحتية، تطوير الخدمات، خفض الفقر، التعاون الإقليمي، تعكس أن الكورد ليسوا فقط مطالبين لحقوقهم، بل يمارسون دورًا بناءً ومسؤولًا. إن دعمهم وتقوية العلاقات معهم، ليس فقط دعوة للعدالة، بل استثمار في استقرار الشرق الأوسط ومستقبل أكثر إشراقًا للجميع.

الكورد بوصفهم واحدًا من أهم المكونات في الشرق الأوسط، أصبحوا الآن لاعبين فاعلين يمتلكون إرادة تنفيذية وإنجازات ملموسة ومدروسة.

إقليم كوردستان في العراق يمثل نقطة وصل بين دول المنطقة، ويطل على موارد نفطية، كما أنه جسر لوجود علاقات دبلوماسية واقتصادية مع دول الجوار.

الدور الأمني والاستقرار النسبي الذي يتمتع به إقليم كوردستان، مقارنة ببعض المناطق المجاورة، هذا الاستقرار يجعله شريكاً مهماً في جهود مكافحة الإرهاب، خصوصاً بعد تجربة داعش.

استثمار أفضل للموارد الطبيعية من قبل حكومة الإقليم وتحسين الخدمات، التعليم، الصحة، ربط المناطق الكوردية بشبكات إقليمية ودولية من ناحية النقل والتجارة. هذا سيجعل الكورد جزءاً فاعلاً اقتصادياً، لا يُنظر إليهم فقط من منطلق سياسي أو قومي.

قد تكون بعض الإنجازات الحديثة التي تظهر أن الحكومة تسير بمشاريع ملموسة تحقق تغييرات حقيقية في حياة الناس، فبعد انقطاع دام أكثر من سنتين منذ آذار 2023، اتّفقت الحكومة الاتحادية مع حكومة إقليم كوردستان على استئناف الصادرات النفطية عبر خط أنابيب كركوك- جَيهان قرب الحدود مع تركيا.

هذا الاتفاق يعد علامة على قدرات التفاوض والتعاون رغم الخلافات، كما أنه يولّد عوائد مالية مهمة لكوردستان والعراق معًا.

إحدى المشاريع الضخمة هو مشروع (الحزام الأخضر

هو مبادرة بيئية استراتيجية أطلقتها حكومة إقليم كوردستان.

يشمل المشروع زراعة ملايين الأشجار (أشجار الزيتون والفستق) حول مدينة أربيل، في نطاق دائري خارجي يمتد خارج شارع 150 متري. عرض المساحة الخضراء لهذا الحزام حوالي كيلومترين من عرض الحزام.

كذلك يتضمن إنشاء أكثر من 10 برك مياه صناعية أو حفر لتخزين المياه واستخدامها في ريّ هذه الغطاءات الخضراء.

أهداف هذا المشروع الضخم، تقليل حرارة المدينة، تخفيف أثر الجفاف والعواصف الترابية، وتحسين جودة الهواء. التخفيف من الغبار والانبعاثات الضارة.

الحزام الأخضر سيساعد في امتصاص جزء من الغبار والملوثات الهوائية، وامتصاص ثاني أوكسيد الكاربون.

مشروع الحزام الأخضر يُعدُّ مبادرة واعدة للغاية تمكن من تحويل الأثر السلبي للتغير المناخي والتوسع العمراني إلى فرصة لبناء بيئة حضرية صحية ومستدامة. مع مراعاة التحديات وإدارتها، يمكن أن يصبح أربيل نموذجًا يحتذى به في المنطقة.

كذلك مشاريع الطرق، أكثر من 1,900 مشروع طرق في أنحاء كوردستان، بعضها استراتيجي مثل الربط بين بلدان متفرقة أو طرق ريفية مهمة.

الكهرباء المستمرة، مشروع “روناكي” الذي بدأ لتوفير التيار الكهربائي على مدار الساعة لأكثر من 30٪ من السكان، مع خطط للتوسّع ليشمل كامل الإقليم بحلول نهاية 2026.

تنفيذ مشروع (المياه الطارئة) يُعد من المشاريع التاريخية في أربيل، لأنه يُعد استجابة عملية لأزمة كانت متكررة سنويًّا.

ويُظهر قدرات حكومة الإقليم على تنفيذ مشاريع ضخمة ومعقدة، ليست فقط لأغراض سياسية، بل لحياة المواطنين اليومية وتحسين مستوى الخدمة.

هذا المشروع يُعد عنصرًا أساسيًا في بناء الثقة بين الحكومة المواطنين، خاصة في الأوقات التي يتعرض فيها الناس لمعاناة كبيرة بسبب نقص المياه.

كذلك، يمكن أن يُستخدم المشروع كنقطة انطلاق لاستثمارات أخرى في تنمية البُنى التحتية المرتبطة بالمياه كالسدود، البرك، وتحلية المياه، وتحسين الشبكة الداخلية والتوزيع.

المشاريع الزراعية والمائية، بناء سدود مثل جَمركة، بستورة، كومه سبان لتأمين المياه.

إطلاق دليل السلامة من قبل وزارة الداخلية في حكومة إقليم كوردستان، يُعد خطوة مهمة لتعزيز الحماية في المباني، المناطق السكنية، المستودعات، ومحطات الوقود، ووقاية المواطنين من الأضرار البشرية والمادية الجسيمة.

وفقًا لهذا الدليل، سينظّم القواعد والإجراءات التي يجب أن تتبعها الجهات المعنية لضمان السلامة العامة، ويشمل معايير تتعلق بالبناء الآمن، الوقاية من الحريق، التأكد من التهوية الجيدة، البنية التحتية للمرافق، نظم الإنذار والطوارئ، والصيانة الدورية.

نسبة الفقر بين إقليم كوردستان وباقي مناطق العراق، نرى الفرق شاسع. النسبة في كوردستان تراوحت مؤخرًا عند حوالي 8.6٪، مقارنة بـ 19.5٪ في باقي مناطق العراق.

ما تفعله حكومة الإقليم من مشاريع تنموية واستثمارية يُظهر أن الكورد يسعون لبناء مجتمع مستدام، وليس تعميق الصراع. الاستقرار في كوردستان يعود بالنفع على الدول المجاورة، لأن وجود حدود آمنة، طرق مستثمَرة، وتعاون تجاري يقلّل من الفقر والتهريب والنزاعات الحدودية.

من خلال خفض الفقر، تحسين التعليم، تأمين الخدمات الأساسية، تعزيز مشاركة المرأة والشباب، يُظهِر الإقليم أن الحكم الذاتي يمكن أن يكون تجربة ديمقراطية وشفافة، وليس فقط مطلبًا سياسيًا. هذا النوع من الخبرة يمكن أن يكون نموذجًا يُحتذى به في بلدان متعددة القوميات في المنطقة.

ما يحققه الإقليم من مشاريع ليست ترفًا، بل هي أساس لبناء شرعية شعبية. حين يشعر المواطن أن الكهرباء متوفّرة، أن الطرق ممهّدة، أن المياه تُدار، وأن فرص العمل موجودة، تكبر الثقة في الحكم.

كذلك تحول من التوتر والصراع إلى مفاوضات واتفاقات مدنية، كما في ملف النفط الذي يُعاد تشغيله الآن، يظهر أن الحوار والمصلحة المشتركة ممكنة. الدول العربية والدول الإقليمية يمكن أن تستفيد من قرب كوردستان، استقرارها، والنمو الاقتصادي فيها، بدل أن تنفِرها أو تُراهن على المعاداة معها.

لذا فإن الكورد، بتنوعهم العرقي والثقافي واللغوي، يشكلون عنصرًا أساسيًا في نسيج الشرق الأوسط، حيث يمتلكون إرثًا غنيًا وتاريخًا حافلًا من التضحيات والنضال. ومع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها الإقليم، تبرز أهمية تعزيز الوحدة الكوردية الداخلية وتطوير القدرات المؤسسية، بما يسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة وتبني رؤية استراتيجية شاملة تستند إلى قيم الديمقراطية والتعايش السلمي، وتفعيل الدبلوماسية الفاعلة، سيمكن الكورد من لعب دور محوري في بناء شرق أوسط أكثر توازنًا وعدالة.