الاميركية إميلي أبتر تطرح بديلا لمصطلح الأدب العالمي ترصد ظاهرة تسييس ما لا يقبل الترجمة وتنتقد طرح كيليطو في شأن نقل المقدس

تتمثل إحدى الحجج الأولى التي يتبناها كتاب "في مواجهة الأدب العالمي: تسييس ما لا يقبل الترجمة"، في أن مجهودات إحياء الكثير من عيون "الأدب العالمي"، تتعثر أمام فرضية "عدم قابلية الترجمة"، لأسباب عرقية وسياسية ودينية وأيديولوجية. ومن هنا يعتمد الكتاب بديلاً لمفهوم "الأدب العالمي"، وهو "الآداب العالمية".

سبتمبر 19, 2025 - 19:27
الاميركية إميلي أبتر تطرح بديلا لمصطلح الأدب العالمي  ترصد ظاهرة تسييس ما لا يقبل الترجمة وتنتقد طرح كيليطو في شأن نقل المقدس

يتخذ كتاب أستاذة  الادب المقارن في جامعة نيويورك إميلي أبتر موقفاً مناهضاً لمفهومالأدب العالمي، من أجل إعادة التفكير في الأدب المقارن، مركزاً على المشكلة التي تبرزحين تتجاهل أنساق الدراسات الأدبية سياسات "ما لا يقبل  الترجمة" وهذا الكتابصدرت طبعته الإنجليزية عام 2013، وصدرت ترجمته إلى العربية (المركز القوميللترجمة 2025) بتوقيع غادة الحلواني.   

في المقدمة لاحظت أبتر أنه منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، برز "الأدبالعالمي" على نحو متزايد، بوصفه نقطة تجمع معرفي للنقد الأدبي والإنسانياتالأكاديمية، ومن دلائل ذلك كتاب باسكال كازانوفا "الجمهورية العالمية للأدب" الصادرفي فرنسا عام 1999، وفي طبعته الإنجليزية (2004) أصبح الكتاب نفسه نقطة إضاءةفي الدراسات الأدبية والثقافية، بخاصة فيما يتعلق بمزاعم مفادها أنه حافظ علىمنظور المركزية الأوروبية (وعلى الأخص المركزية الفرنكفونية)، باعتماده التمييز بينالمركز والأطراف.

في ديسمبر (كانون الأول) 2008 انعقد في جامعة بيلغي في إسطنبول مؤتمر "الأدبالعالمي في المنتصف"، فمهد لتدشين معهد الأدب العالمي في جامعة هارفرد، والذيعقد جلسته الافتتاحية في جامعة بيكينغ في بكين عام 2011. في غضون ذلك ركزالمؤتمر الأول لرابطة الأدب العالمي، على بزوغ "الآداب العالمية"، وهو مصطلح يخصكل أشكال التعبير الأدبي في كل لغات العالم.

نزع الإقليمية

تقر أبتر بأنها ضد إحياء "الأدب العالمي" في بعض مظاهره المؤسساتية الجديدة،وتؤيد نزع الإقليمية عن المدونة الخاصة به. وهي ترى في هذا الصدد أنه مع الزخمالمتزايد في دراسات الترجمة، اكتسب الأدب العالميبسلالته الرومانيةالأوروبية،والهيغلية الجديدة، والماركسية، ومن غوته إلى لوكاش، ومن أورباخ إلى إدوارد سعيد - اهتماماً متجدداً. ولاحظت أن النظرية النقدية ما بعد الكولونياليةكما أثارها إدواردسعيد، وآخرون، تعارض مفهوم الأدب العالمي. ورأت كتاب كازانوفا في هذا الصددرسم نموذجاً جديداً للأدب العالمي بمهاجمة الشكل العام القديم.

وأظهرت باسكال كازانوفا كيف أن نجاح فرنسا في تعريف نواميس الأدب العالمي فيالقرن الـ19، وأوائل القرن الـ20، ضمن مكانتها القومية وهيمنتها كمحور جغرافيللرأسمال الثقافي. وعلى رغم أن كتاب كازانوفا لم يروج لبرنامج يوتوبي تصحيحيللأدب العالمي، فإنه أشار ضمنياًكما تقول أبتر - إلى عدد كبير من العوالم الصغيرةفي الترجمة، إذ يختصر دور المجتمعاًت المهيمنة في إدارة وتأمل الأدب. وركزتالأعمال الأكثر حداثة في فرنسا والتي تحمل بصمة بورديو على هجرة الأفكار والإحلالوإعادة تكوين الشبكات الفكرية.

وينظر إلى "الإلياذة" و"غلغامش"، و"الكوميديا الإلهية"، و"الحرب والسلام"، و"أشياءتتداعى"، و"أطفال منتصف الليل"، غالباً على أنها لا تنتمي إلى المشاعات الثقافية، بلباعتبارها تستهدف نخبة ثقافية، وتقول أبتر في هذا الصدد: "حاولت أن أفطم أدبالعالم من منطقة راحتهتعزيز تعريفه فوق المختلف وتناوله البليد لـ'العالم'والسياسات الكوكبية الهزيلة" ص 353.

إخفاق الترجمة

ترى أبتر أن "إخفاق الترجمة" هو أحد المفاهيم التي شغلت فالتر بنيامين، وهوالمفهوم الذي لم تسبر دراسات الترجمة غوره، كما فعلت مع مفهومه الملغز الشهيرreine sprache (لغة نقية أو شفافة). ويشمل هذا المفهوم، بين عناصر عدة، الترجمةالخاطئة وغير الموثوق بها والمتناقضة. وهو الظرف السلبي الذي قد يبدو أنه متداخلفي اللغة، وفي بعض الأحيان يمكن إدراكه على أنه ابتعاد عن معيارية اللغة. نشهد هذاالتأثير الأخيرتقول أبتر - في توصيف عبدالفتاح كيليطو لحالات ترفض خلالها اللغةالهدف أن تتعاون مع المترجم، بخاصة حين تكون هناك عبارات صعبة جداً في العربيةمثل "ليت شعري" if only my knowledge وكذلك اللثلثة/ التحدث بلغة سريةglossolalia أو التحدث بعدة لغات، وهو مصطلح يوناني يشير إلى تنوع الفعل الكلامي.

ويعلق جيورجيو أغامبين بأن ذلك الكلام لا يشكل كثيراً من "نطق صافٍ لأصوات غيرمنطوقة كما في التحدث بتمويه أي بكلمات لا يعرفها المتحدث إليه". مؤكدتضيفأبتر - أن المدلولات الفوقية تعكس كيفية تجذر أسئلة عدم قابلية الترجمة في اللاهوتوعقيدة هرمش والتأويل والهرمسية والهرمنيوطيقا وعلم الكتابات القديمة. لقد عزادريدا مركزية لغة الأديان التوحيدية إلى "ترجمات إلزامية" تشكل قاعدة "الهيمنةالسيادية". وبناءً عليهتقول أبتر - فإن الترجمة كائنة في جوهر اللاهوتي السياسي،فهي تحمل معها هذا "الثقل الإكراهي". وهناك تاريخ آخر من القمع يمكن تلمسه فيالتشريع ضد التجديف أو المحظورات التاريخية على تحويل النصوص المقدسة إلىاللغة المحلية. ومن ذلك الإنجيل اللاتيني المحظور بالإنجليزية في أوائل القرونالوسطى، والإنجيل الألماني الذي ترجمه لوثر والذي دِينَ على أنه تحريف، والقيوداللغوية العربية التي تنطبق على ترجمة القرآن. ويمتد الحظر اللاهوتي على نقلالكلمات المقدسة من لغة إلى أخرى، في السياقات العلمانية، إلى حد أنها تصبح "قوةضاربة".

الديني والثقافي

لا يعادي كليطو العلمانية - تقول أبتر - لكنه يرفض أن ينزع الشرعية عن قوة تحريمالترجمة في اللغة المقدسة. وعلى النقيض، تتبنى صبا محمود مقاربة ثقافية، إذ تحاججبأن الورع هو دائماً وفعلياً سياسات متواضع عليها ومحل للتفاوض الشخصي. ومنجانبها تحتال غوديث بتلر على الأزمة بين المطلق الديني والنسبي الثقافي بتحويل نقدالحكم إلى مشكلة الفصل في عدم قابلية الترجمة.

وترى أبتر أنه على رغم من النزعة إلى التفكير في أدب العالم كأرضية لقاء مجردةسياسياً، حيث تختلط لغات وثقافات الشعوب اختلاطاً حراً، يجب أن نبذل المزيد منالجهد لتأطير آداب العالم كمجموعة محفوفة بالأخطار من جانب "المدوناتالمعتمدة". وتشير في هذا الصدد إلى "الجمعية الحيازية"، وهو تعبير استخدمته ريبيكاوالكويتز، للتحدث عن ارتباط الأمة "بالكيفيات الدائمة والنادرة مثل الروح والنفسوالشخصية"، ويناقضه نسق بندكت أندرسون "المجتمعات المتخيلة". تشير "الجمعيةالحيازية" إلى مجال من نظرية الترجمة يركز على كيف تتناول المجتمعاًت اللغاتكشكل من الملكية الثقافية الحصرية التي تخول لها أن تفرض لسانية أحادية أو سياسةمنع اللغات الأخرى عن متحدثيها. تتصل بالموضوع الدراسات في الفن والأركيولوجيالتي تركز على مطالب الحق في الإرث. كما تشيع في السنوات الحديثة تلميحات إلىمبدأ "الحق في الخصوصية الثقافية"، والذي يطرح على أنه "بديهي وحصن منيعأخلاقياً، حتى ولو أن مداه غير محدد" ص 338.

الدائرة الأخلاقية

إن الحق في الخصوصية الثقافيةالتي تتجلى في أفعال تهدف إلى منع الغرباء منالاقتراب من الدائرة الأخلاقية بدعوى الحرص على عدم الإساءة إليهاهي مشكلةمهمة بالنسبة إلى تدريس آداب العالم، بخاصة في الحالات التي يتصادم فيها منطقحقوق النشر والتأليف والتجديف المتضادين، تعتمد الكيفية التي يبت فيها الشخصمتى يكون نص ما خارج نطاق التدريس (لمنع انتهاك سرية ثقافية ما أو الدخول إلىقيود مفروضة على أنواع معينة من الملكية الثقافية)، على كيف يضع أو لا يضعالشخص المكان الذي يتحدث منه أو يقرأ: في المركز، في الأكاديمية، من الصعب غالباًتطوير نظام تحديد الموقع العالمي GPS تطويراً صحيحاً بسبب انتشار "العلمانيةالمسيطرة"، علمانية تصدق على الحق في ذم حق الآخر في الخصوصية الثقافية. فيمثل هذه الظروف يتم تجاهل السبب الديني أو ينبذ، وتسطح سياسات الجرح المعنويوالتجديف.

وكما يلخص طلال أسعد: "يقال إن تهمة التجديف قيد ديني عتيق، وإن الخطاب الحرهو مبدأ جوهري للحرية الحديثة، لكن هل هناك أي تماثل بين فكرة التجديفوالمحظورات التي رسخها القانون العلماني؟". إن الإجابة عن هذا السؤال بالتأكيدإيجابية، وتقودنا، كما تقول أبتر، إلى أن نتبين بوضوح أكبر إلى أي مدى تطارد ما يسمىتصورات تجديف الملكية الدينية العتيقة، المزاعم العلمانية/ القانونية في ملكية الإرثالثقافي. اقتناء القطع الأثرية من الأراضي المغزوة وتكديسها في ممجموعات المتحفالوطني، يعزز، حسب أبتر، الجمعية الحيازية للدول/ الأمم التي تضخمت إمبريالياً. وبالمثل، تصبح المواقع الأركيولوجية حاسمة "لامتلاك" هوية قومية، بخاصة فيمناطق الأرض المتنازع عليها. وكما تعرض نادية أبو الحاج في حقائق واقعية: فإنالممارسة الأركيولوجية والتشكيل الذاتي في المجتمع الإسرائيلي، تعكس دلالةالأركيولوجي والدور الذي يلعبه في تكوين وتشريع خيال هذا المجتمع الكولونياليالقوميالتاريخي، والبرهنة على المزاعم بالحق في الأرض. وتعلق أبتر: "هكذا شكلتحول شكل الأمة مع المعرفة التاريخية، المنظور الذي ينظر إلى الماضي من خلاله".

*علي عطا