نفط كوردستان.. مفاوضات حاسمة تغيّر قواعد اللعبة في العراق

بقلم: أ.م.د. سيروان أنور مجيد
بعد أكثر من عام على توقف صادرات النفط من إقليم كوردستان عبر خط أنابيب جيهان التركي، دخلت المفاوضات بين رئاسة الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد مرحلة جديدة توصف بـ"الحاسمة". وإنّ الاتفاق المرتقب لا يحمل بعدًا محليًا فقط، بل ستكون له انعكاسات مباشرة على أسواق الطاقة العالمية، والاقتصاد العراقي، والعلاقات الإقليمية.
أمّا العقبات والتحديات، فتلخّصت في ثلاث جوانب:
- قانونية: استمرار تضارب التفسيرات الدستورية، وعدم وجود تشريع وطني واضح ينظم العلاقة بين المركز والإقليم في ملف الطاقة.
- سياسية: انعدام الثقة التاريخي بين أربيل وبغداد، فضلًا عن ضغوط داخلية من قوى سياسية مرتبطة بإيران تخشى من تنامي استقلالية الإقليم.
- مالية: حاجة الإقليم إلى تسوية ديونه للشركات النفطية، مقابل تخوف بغداد من فقدان السيطرة على عائدات بمليارات الدولارات.
ولعلّ الأرقام تتحدث بلغة السياسة في هذا المسار، فمنذ توقف التصدير، خسر العراق والإقليم معًا ما يقارب 12 مليار دولار، أي بمعدل يقارب مليار دولار شهريًا. وهنا، حكومة الإقليم تكافح لتأمين رواتب نحو 1.2 مليون موظف، بينما تأخرت بعض الرواتب لأكثر من 3 أشهر. أمّا الشركات النفطية المستثمرة في كوردستان فتواجه خسائر تقدَّر بنحو 2.5 مليار دولار، ما دفع بعضها إلى تجميد مشروعات استكشاف جديدة. وعليه، فهذه الأرقام تتحول إلى لغة سياسية؛ تُترجم في الشارع الكوردي غضبًا متصاعدًا، وفي بغداد ورقة ضغط تفاوضية، وفي الأسواق العالمية إشارات قلق لا تُخطئها عين.
ومن هنا، فإنّ دور رئاسة الإقليم تتولى دور الوسيط والضامن في هذه المفاوضات، من خلال إعادة بناء الثقة بين أربيل وبغداد عبر لقاءات متكررة مع رئيس الوزراء الاتحاد، وتقديم حلول وسط توازن بين مطالب الحكومة الاتحادية وحقوق الإقليم الدستورية؛ فضلاً عن التواصل الدولي مع أنقرة والجهات الغربية لتوضيح موقف كوردستان وإقناع المستثمرين بجدوى العودة إلى الإقليم. إلى جانب التأكيد على أن استقرار العلاقة النفطية يخدم وحدة العراق واستقراره السياسي، وليس فقط مصالح أربيل.
ومعطوفاً على ما سبق، فإنّ سيناريوهات المستقبل ترى نفسه في ترسيم:
- اتفاق مشترك، فنجاح بغداد وأربيل في صياغة اتفاق يضمن تصدير النفط بإشراف "سومو"، مع تحويل حصص عادلة للإقليم، بدور ضامن من رئاسة الإقليم.
- تسوية مؤقتة: حلول انتقالية تسمح باستئناف التصدير دون حسم الملفات الدستورية.
- فشل المفاوضات: استمرار الانسداد قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة المالية في كوردستان ويزيد التوترات السياسية.
- اتفاق ثلاثي: إدخال طرف دولي ثالث فاعل كطرف رسمي عبر ضمانات اقتصادية وأمنية.
وبقي أن نقول: فنجاح المفاوضات حسبما سردناه وفاعلية دور رئاسة الإقليم بتلوّناتها سيُعتبر خطوة تاريخية نحو بناء شراكة اقتصادية مستدامة بين المركز والإقليم. أما الفشل فسيبقي الملف النفطي ورقة ضغط تُستخدم في كل أزمة عراقية داخلية وإقليمية. وفي الحالتين، يبقى خط أنابيب كوردستان المارة عبر جيهان -لعدم وجود خطوط فاعلة أخرى حالياً- فإنها الآن أكثر من مجرد أنبوب نفط؛ إنه شريان سياسي واقتصادي يحدد مستقبل العراق وكوردستان معًا.