الانتخابات المبكرة في تركيا ورهان أردوغان على الناخب الكوردي

تشهد الساحة السياسية التركية حالة من الترقب والجدل المحتدم حول إمكانية التوجه إلى صناديق الاقتراع قبل موعدها المقرر دستوريًا في عام 2028. هذا الحديث ليس مجرد تكهنات صحفية، بل يعكس عمق التحديات الداخلية التي يواجهها تحالف "الشعب" الحاكم بقيادة الرئیس التركي رجب طيب أردوغان وتشتت المعارضة، والأهم من ذلك، التغيرات الجوهرية في خريطة التحالفات وولاءات الناخبين، لاسيما الناخب الكوردي الذي أصبح رقماً صعباً في معادلة أي فصول انتخابية مقبلة.

سبتمبر 21, 2025 - 06:38
سبتمبر 21, 2025 - 20:04
الانتخابات المبكرة في تركيا ورهان أردوغان على الناخب الكوردي

هنا يكمن السؤال.. لماذا الحديث عن انتخابات مبكرة؟

يقف قرار إجراء انتخابات مبكرة أمام معادلة معقدة تحوي عوامل كثيرة منها، هلباستطاعة أردوغان الترشح لولاية ثالثة متتالية؟ وهل بمقدوره النجاح بدون الاعتمادعلى تحالفات؟ وهل سيلعب بخطة التحالف مع الكورد للظفر بولاية أخرى قبل موعدالانتخابات؟.

ومِن أهم الأسباب لطرح هذا السؤال هي: صدمة الانتخابات المحلية 2024.. الخسارةالمدوية لبلديات إسطنبول وأنقرة وديار بكر التي كشفت عن تراجع خطير في الشعبية،خاصة في المدن الكبرى ومعاقل الحزب التقليدية لصالح حزب الشعوب الديمقراطيالمدعوم من الكورد.

كذلك التكلفة الاقتصادية الباهظة، حيث تتطلب الحملات الانتخابية ضخ أموال طائلةفي مشاريع ودعم لضمان الرضا الانتخابي، وهو أمر شبه مستحيل في ظل سياساتالتقشف وضغوط الخزينة العامة، مما يجعل التوقيت غير ملائم.

من الناحية الدستورية، يملك أردوغان الحق في الترشح لفترة رئاسية جديدة. فالمحكمة الدستورية والهيئة العليا للانتخابات تعتبران أن فترته الأولى (2014-2018)كانت في ظل النظام البرلماني السابق، وبالتالي فإن فترته الحالية (2018-2023) هيالأولى في ظل النظام الرئاسي الجديد، مما يمنحه الحق في الترشح لفترة ثانية حتى عام2033.

أما القرار الشخصي والسياسي لأردوغان، فيرتبط بتقييم وضعه الصحي (الذي يبدوجيدا)، ورغبته في خوض معركة شرسة جديدة، وقناعته بقدرته على قيادة البلاد حتىسن 79 عاماً.

الناخب الكوردي.. الركيزة واللعبة الصعبة

تراجع الدعم الكوردي لحزب أردوغان وسطوع نجم حزب دام بارتي هما العاملان الأكثرخطورة في المعادلة. هنا يكمن جوهر الإشكالية لأي معركة انتخابية مقبلة. إذ لا يمكنفهم المشهد دون تحليل الدور المحوري للناخب الكوردي.

يجب على أردوغان العمل على إنجاح عملية السلام: مفاوضات الحل السلمي مع حزبالعمال الكوردستاني والاهتمام بإنجاز الخدمات في كوردستان تركيا.

فقدان الحزب لبلديات كبرى مثل ديار بكر لصالح حزب الشعوب والديمقراطي ( دامبارتي)، هو شهادة على ضعف في إدارة الخدمات محلياً، كون حزب دام بارتي هوالخصم والورقة الضاغطة في هذه الرقعة.

إذن كيف يلعب أردوغان على الورقة الكوردية لتحقيق مكاسب انتخابية؟ هذه قضيةحاسمة ومفتاحية لفهم الاستراتيجية الانتخابية للرئيس التركي أردوغان وحزبه

إن لعبه على "الورقة الكوردية" هو مناورة سياسية معقدة ومحفوفة بالمخاطر، لكنهيُجيدها إلى حد كبير. يعتمد أردوغان على استراتيجية مزدوجة و"مشي على حبلمشدود" لتوجيه المشاعر الكوردية لصالحه، وهي تقوم على عدة محاور رئيسية:

يقوم خطاب أردوغان على أن يقدم نفسه وحزبه كضامن للأمن والاستقرار. وهو ما يهمشريحة كبيرة من الناخبين الكورد الذين تعبوا من سنوات الصراع، لذلك سوف يخلقحالة من "الخيار الاضطراري" بالنسبة للعديد من الناخبين الكورد المحافظين، بمفهومأن التصويت لحزب العدالة والتنمية يعني الاستقرار.

من جانب آخر العلاقة المميزة بين أردوغان وإقليم كوردستان انعكست إيجاباً علىتعامل أنقرة مع الملف الكوردي الداخلي، حيث شهدت السياسة التركية تحولاً ملحوظاًمن الإنكار إلى الاعتراف بالهوية الثقافية الكوردية، تحت قيادة أردوغان وحزب العدالةوالتنمية، الذي سمح بتعليم اللغة الكوردية واستخدامها في المجال العام، كما أن فتحقنوات حوار سلمي مع الكورد في تركيا (مثل عملية السلام مع حزب العمال) يهدف إلىحل النزاع عبر الوسائل السياسية وليس العسكرية، مما يعكس سعياً لتحقيق استقرارداخلي يعزز من مكانة تركيا الإقليمية ويخدم مصالحها الاقتصادية الطموحة.

ترتسم علاقات إستراتيجية متينة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإقليمكوردستان العراق متمثلا بالرئيس مسعود بارزاني ورئيس إقليم كوردستان نيجيرفانبارزاني الذي لديه علاقات شخصية متينة مع الرئيس رجب طيب أردوغان.

كذلك التطرق إلى مبدأ الخطاب الديني والمحافظ من قبل حزب العدالة والتنمية،بتجاوز الانقسام العرقي. هذا هو الجانب الأكثر ذكاءً في استراتيجيته.

بتطرقه هذا، يجمع الخطاب الإسلامي المحافظ بين الناخبين الأتراك والكورد في قالبمشترك، يتجاوز الهوية العرقية. بشعارات مثل "الأمة الواحدة" و"أخوة الإسلام".

بهذه الطريقة، يحول النقاش من "كوردي مقابل تركي" إلى "محافظون أتراك وكورد"مقابل علمانيين وليبراليين وانفصاليين، لكن هذه اللعبة خطيرة للغاية ولم تعد ناجحةكما في السابق. لذا من المرجح أن أردوغان يلعب على الورقة الكوردية بمهارة، لكن لميعد الأمر سهلاً كما كان في الماضي. نجاحه في أي انتخابات قادمة، وخاصة مبكرة منها،مرهون بقدرته على إقناع عدد كافٍ من الناخبين الكورد، بأن مصلحتهم معه.

كما أن تحقيق توازن بين إرضاء قاعدته القومية (بعدم منح تنازلات للكورد) وبيناستقطاب الناخب الكوردي (بمنحه وعوداً وتنازلات) هو أمر ليس من السهولة تحقيقه.

*سامان بريفكاني/ كاتب ومحلل